قال رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز إن التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الدول العربية تستدعي بذل جهود استثنائية من الحكومات والقطاع الخاص "لاحتوائها وتحقيق النمو الشامل المستدام وخلق المزيد من فرص العمل".
وأضاف الرزاز في افتتاح الدورة الثانية والاربعين لاجتماعات مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في عمان، ان انعقاد هذا الاجتماع يأتي في ظل ظروف مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان لها انعكاسات سلبية عميقة على بلداننا العربية، رافقها ارتفاع حالة عدم اليقين، وتراجع حركة الاستثمارات البينية، وتراجع مكانة المنطقة كوجهة للاستثمارات الدولية، عدا عن تبعات اللجوء وما خلفته من معاناة انسانية للاجئين واعباء اضافية على المجتمعات المستضيفة، الامر الذي أدى الى تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة لا سيما بين فئة الشباب.
وأكد أن البنوك المركزية العربية مؤهلة لتلعب دورا مهما في الحد من المخاطر الاقتصادية الداخلية والخارجية، وايجاد آليات وسياسات فعالة تعمل على امتصاص تلك الازمات وتقليص آثارها، مشيرا الى أن اجتماع هذه النخبة المتميزة من قادة المال في الدول العربية يعد فرصة مناسبة لمناقشة التطورات الاقتصادية والمالية، وسبل تعزيز أسس التعاون المالي والمصرفي وتبادل الخبرات، خصوصا في ضوء ما يشهده العالم من تحولات متسارعة ناجمة عن الاختراعات والابتكارات التكنولوجية الحديثة وتنامي استخداماتها في القطاع المالي، والتي باتت تشكل متغيرا مهما في الصناعة المصرفية.
وأشاد رئيس الوزراء بما حققته السلطات النقدية العربية من تقدم ملحوظ في مواكبة التطورات المصرفية والمالية العالمية.
وعلى المستوى المحلي، قال الدكتور الرزاز، إن الأردن تعرض للعديد من التبعات السلبية للظروف التي تمر بها المنطقة وما رافقها من تدفق نحو 3ر1 مليون لاجئ سوري إلى المملكة لا يزالون يشكلون ضغطا على البنية التحتية والخدمات العامة، خاصة في مجال الصحة والتعليم، فضلا عن الإغلاق شبه التام لمنافذ التجارة الخارجية الأردنية مع العراق منذ منتصف عام 2014 وحتى الربع الرابع من عام 2017، ومع سوريا منذ عام 2011 وحتى الآن، حيث واجه الاردن تلك التحديات بثبات واقتدار بتوجيهات من قيادته الهاشمية الحكيمة.
وأضاف، "إيمانا بنهج الاصلاح الذي اختطه الاردن لنفسه منذ سنوات عديدة، نفذت المملكة اصلاحات شاملة ونوعية شملت مختلف النواحي، لاسيما الاقتصادية منها، اسهمت في تعزيز الثقة باقتصادنا وزيادة اندماجه بالاقتصاد العالمي"، مبينا أن الحكومة نفذت اصلاحات عديدة لضبط اوضاع المالية العامة وترشيد الإنفاق العام وتعزيز الايرادات المحلية، عبر ازالة التشوهات في النظام الضريبي وتخفيض الهدر المالي، وتوجيه الدعم لمستحقيه، وإعادة النظر بالأطر التشريعية ذات الصلة بسوق العمل، وبيئة الأعمال، بما يسهم في تكريس مبدأ الاعتماد على الذات.
وأكد الرزاز أن الأردن تمكن من تحقيق خطوات ملموسة نحو تحسين الواقع الاقتصادي المحلي وتعزيز القدرات الاقتصادية ووضع الاقتصاد الاردني على مسار النمو الشامل، كما تم ضبط عجز الموازنة العامة لينخفض كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6ر2 بالمئة في 2017 من 2ر3 بالمئة في عام 2016، لافتا إلى اتخاذ ما يلزم من اجراءات هذا العام تكفل الحفاظ على اتجاهه الهبوطي ليصل الى 8ر1 بالمئة في نهاية العام الحالي، مدعوما بتعافي اداء السياحة والصادرات الوطنية التي عادت الى تحقيق معدلات نمو موجبة.
وقال رئيس الوزراء "ندرك ان لا متسع لدينا للركون الى النتائج الايجابية، فما زال امامنا الكثير من الجهد والعمل، دون توقف لاستعادة زخم النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص التشغيل للأردنيين والحد من مشكلة الفقر، وتحسين مستوى معيشة المواطن الأردني، فضلا عن تخفيض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الى مستويات آمنة تسهم في تعزيز بيئة الاقتصاد الكلي وزيادة الثقة به، باعتبار ان كل ذلك يشكل التحدي الابرز امام الحكومة".
وأضاف، ان تدعيم أساسيات الاقتصاد الكلي ورفع مستويات الإنتاجية وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة يرتبط ارتباطا وثيقا مع سياسات القطاع المالي؛ حيث اصبح هدف تحقيق الاستقرار المالي والنقدي أحد المرتكزات الأساسية التي تسعى البنوك المركزية لتحقيقها، كما اصبح الاهتمام بمجال الاشتمال المالي احد اولويات دول المنطقة، كونه يساهم في الحد من الفقر، ويحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر تركيزه على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة وتمكين المرأة وتعزيز فرص المساواة بالحصول على التمويل بتكاليف مناسبة.
وأشار إلى أن الاردن وضع الأطر السليمة وعزز الحوافز الضرورية، وتبنى استراتيجية وطنية لتعزيز الاشتمال المالي، كما تم اتخاذ العديد من الاجراءات الهادفة إلى تطوير المنصات الالكترونية الخاصة بالخدمات المالية الرقمية للادخار والتمويل وتنفيذ المعاملات المالية من خلال ايصال الخدمات المالية للمستفيدين في اماكن تواجدهم بكفاءة عالية وكلف متدنية، مبينا أن الأردن أولى قطاع تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة أهمية كبيرة من خلال حشد التمويل اللازم لهذا القطاع بأسعار فائدة منافسة وآجال مناسبة، فضلا عن ضمانات للقروض الممنوحة، وتم استحداث برامج تمويل طويلة الآجل، وبأسعار فائدة متدنية، موجهة لقطاعات الصناعة والسياحة والطاقة المتجددة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاستشارات الهندسية، بما فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة.
من جانبه، أشار محافظ البنك المركزي اليمني، الدكتور محمد منصور زمام، رئيس الدورة الثانية والأربعين، إلى أنه بالرغم التعافي الذي شهده الاقتصاد العالمي العام الماضي، والذي سجل نموا بحدود 3 بالمئة مع تحسن مستوى النشاط الاقتصادي مدفوعا بالعديد من العوامل من أبرزها السياسات النقدية الميسرة في مختلف انحاء العالم واستمرار النمو المرتفع للاقتصاد الصيني، وكذلك ارتفاع مستويات الثقة، والأوضاع المواتية للأسواق المالية، الا ان النمو طويل الأجل يواجه مخاطر نظرا لتباطؤ معدلات نمو الإنفاق الرأسمالي والإنتاجي، وتراكم مواطن الهشاشة المالية، واستمرار التحديات التي تواجه الدول المصدرة للسلع الأساسية، ومن بينها عدد من الدول العربية.
واكد أن هذه العوامل أدت إلى انخفاض مستويات الناتج الممكن الوصول إليه، ما ضاعف من التحديات التي تواجه دول العالم على صعيد تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة فيما يتعلق بالدول النامية.
وأكد أن التطورات الاقتصادية في الدول العربية، التي سجلت وتيرة نمو محدودة خلال العام 2017 بلغت وفق التقديرات الأولية 3ر1 بالمئة انخفاضا 2 بالمئة في 2016، تعكس تباطؤ النمو في الدول العربية المصدرة للنفط، منوها إلى ان الدول العربية المصدرة والمستوردة للنفط تواجه تحديات على صعيد الوصول للنمو الشامل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقال الدكتور زمام إن المطلوب من الدول العربية التركيز بشكل أكبر على تبني عدد من الإصلاحات لتجاوز التحديات التي تحول دون حدوث النمو وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي، وتنفيذ استراتيجيات تنويع الهياكل الانتاجية والتصديرية، وتبني إصلاحات هيكلية ومؤسسية، بما يساهم في تحقيق الخفض المأمول لمعدلات العجز في الموازنات العامة، وكذلك في الميزان التجاري والبطالة والفقر في دولنا العربية.
وأضاف أن التحديات الداخلية التي تعاني منها الدول العربية تستلزم تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لدعم هذه الدول وتمكينها من مواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن هذه التحديات، والعمل على تبني خطط إعادة البناء وتوفير الموارد التمويلية اللازمة لها.
ولفت محافظ البنك المركزي اليمني إلى التحديات التي تواجهها بلاده اقتصاديا وسياسيا وامنيا، وإلى المساعدات التي قدمتها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، وهو ما يبرز أهمية المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي، كشرط اساسي لمواجهة التحديات الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.
وقال إنه ايمانا من صندوق النقد العربي بأهمية وفاعلية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، فقد عمل على دعم البيئة المواتية لهذه المشروعات وتوفير الدعم المالي والفني لمتطلبات تطوير البيئة الحاضنة لها، إضافةً إلى المشورة الفنية التي يقدمها الصندوق في هذا الشأن، أو على صعيد المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية التي أطلقها الصندوق خلال عام 2017 بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتنمية والتحالف العالمي للشمول المالي والبنك الدولي، بهدف الارتقاء بمؤشرات الوصول للتمويل لجميع القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية في الدول العربية، خصوصا المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يساهم في دعم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
ويناقش الاجتماع، بحسب الدكتور زمام، التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية، والتقنيات المالية الحديثة، ودعم وصول التمويل لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز جوانب الشمول المالي، وإدارة مخاطر السيولة وفق متطلبات بازل III في الدول العربية، والإجراءات الرقابية والإشرافية للتعامل مع البنوك الضعيفة، وقضايا تمكين المرأة ماليا ومصرفيا، والمسوحات الإحصائية المحلية لرصد جوانب الطلب على الخدمات المالية في الدول العربية، وتحفيز البنوك لتمويل الشركات الناشئة، والتعامل والتأقلم مع الثورة الرقمية وتداعياتها على النظام المصرفي والاستقرار المالي، ومتطلبات إصدار مؤشر محلي للاستقرار المالي في الدول العربية، وتقنيات "بلوكشين" واستخدام العملات الافتراضية، وتطبيقات التحويلات الفورية في المدفوعات الصغيرة، وتطوير نظم تسجيل الأصول المنقولة في الدول العربية.
وفي هذا الصدد، أكد أهمية مشروع إنشاء نظام المقاصة العربية في تعزيز التدفقات والاستثمارات العربية البينية والاندماج المالي الإقليمي، منوها إلى جهود صندوق النقد العربي في الإعداد لمرحلة التنفيذ، متطلعا إلى دور أكبر من الصندوق لأطلاق برامج عمل المقاصة العربية لخدماتها وأنشطتها "كوننا أخذنا الوقت الطويل في الإعداد والتحضير لهذا المشروع المهم".
بدوره، توقع المدير العام، رئيس مجلس الإدارة لصندوق النقد العربي ،الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، أن يواصل الاقتصاد العالمي نموه بوتيرة مرتفعة نسبيا خلال عامي 2018 و2019 ، مستفيدا من الزيادة الملموسة في أنشطة الاستثمار التي كان لها أكبر الأثر في دعم مستويات الطلب الكلي ونمو حركة التجارة الدولية، حيث يقدر ارتفاع معدل نمو الاقتصاد العالمي لنحو 9ر3 بالمئة، وفقا للمؤسسات الدولية.
كما توقع ارتفاع معدل النمو لدى الاقتصادات المتقدمة بفعل عدد من العوامل في مقدمتها استمرار السياسات النقدية التيسيرية في بعض هذه الدول، وتبني سياسات مالية توسعية في بعضها الآخر، وهو ما سيدعم الطلب الكلي لديها، حيث يقدر نمو هذه الاقتصادات بنحو 4ر2 بالمئة العام الحالي، وانخفاض النمو إلى 2ر2 بالمئة العام المقبل، في ظل التوقعات بتباطؤ النشاط الاقتصادي بفعل الانحسار التدريجي للآثار التحفيزية للسياسة المالية والنقدية التيسيرية.
وتوقع أن تتواصل استفادة الدول النامية واقتصادات الأسوق الناشئة من تحسن مستويات الطلب الخارجي، ومن الاتجاه التصاعدي للأسعار العالمية للسلع الأولية.
وقال الدكتور الحميدي انه في هذا السياق، ومع نمو التجارة الدولية خلال النصف الأول من العام الحالي، مستفيدة من انتعاش أنشطة التصنيع والاستثمار الذي شهده العالم منذ العام الماضي، فإنه من المتوقع اعتدال معدل نمو التجارة الدولية العام المقبل، بما يعكس التباطؤ المتوقع لمعدل نمو الاقتصاد الصيني، والمخاوف من تأثير تصاعد التوترات التجارية، وتزايد مستويات الاتجاه إلى فرض الإجراءات الحمائية التجارية بين دول العالم.
وأكد أن الدول العربية تحتاج إلى رفع معدلات النمو إلى مستويات تتجاور خمسة بالمئة لتحقيق خفض ملموس في معدلات البطالة، التي تعد أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول العربي.
وأشار إلى أن اهم اربعة تحديات تواجه الدول العربية تتمثل في الحاجة لتحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية ومواصلة تبني إصلاحات هيكلية ومؤسسية تهدف إلى تعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية للدول العربية، وزيادة مستويات الاندماج الإقليمي، بما يمكن من الاندماج في سلاسل القيمة العالمية ويساهم في توفير فرص لزيادة الإنتاجية والتنافسية، واستعادة أوضاع الاستقرار الاقتصادي وتلبية متطلبات إعادة الإعمار لدى الدول التي تشهد تطورات داخلية. (بترا)
18-أيلول-2018 13:11 م